الارادة بين الفكر الفلسفي والدين الاسلام

بسم الله الرحمن الرحيم 

 
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [قـ : 16]
كل ما اساغته الحكمةأبرزته القدرة،
وكل ما جاءت به القدرة شهدت له الحكمة
أبو حيان التوحيدي

 
 
بتنسيق مع المجلس العلمي بالراشدية تم يومه 13 أبريل 2007بثانوية مولاي علي الشريف بالريش القاء عرض تحت عنوان :
 
الارادة بين الفكر الفلسفي والدين الاسلامي
 
 
انجاز:
الأستاذ : يوسف أعبوب
الأستاذ علاوي عبد الملك
 
 
الإنسان بكافة خصوصياته وأركان شخصيته مليئ بالأسرار والقدرات والمواهب، ولكنها مخفية ومطوية بين جدران ذاتيته. وليس من السهولة كشف حقيقة هذه المجالات. وما يظهر منها على مسرح الحياة أو يصبح ثمرة من ثمرات الشخصية الإنسانية قليل جداً أمام حقيقة الذات المدفونة
 
 
 
0-مــــــهــــــــــاد:
نسعى في هذه المراهنات إلى:
1- تأسيس مبدأ الإنسان كقيمة وليس كمفهوم، كقيمة تتعالى عن الدوائر المتصلبة والمتحجرة والتي تسعى إلى ربط الإنسان بالغاية تبرر الوسيلة (السيجارة كعنوان للنخوة وميلاد الرجولة ، الصلاة الجوفاء التي لا يراعى فيها ممارسها الجوانب الأخرى المتعلقة بالحياة ، الحج لارتداء الاسم ، اللباس للأناقة المتعفنة ، المقهى ...
2-التذكير بأن ديننا الإسلامي دين الكلية والكفاية والديمومة لذا قال تعالى : {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ }مريم12 وليس دين معاملات فقط أو دين صلاة فقط أو دين صوم فقط... بل هو الدين كله .
3-الإسلام مقصدية وشريعة قامت على أساس بناء الإنسانية التي عرفت جروحات عميقة فانتهت بالموت مع البنيوية و نهاية التاريخ مع فوكو ياما ...
2-تــــمـــــهــــــــيـــــــــد:
في زمن الافتقاد يظل البحث ممكنا لكن من الضروري اختيار السبيل الأنجع للبحث عن الممكن  الواجب تحقيقه دون وأد ما هو كائن دفعة واحدة .
حين هيمنت سلطة الكنيسة والنظام الفيودالي في أوربا فُقد الإنسان فكان البحث عنه مع فلاسفة ومفكري الأنوار، بحث تُوّج بميلاد الحداثة لتعلن عن ميلاد الإنسان (د.فريدة النقاش).
واليوم تمر الحضارات من فوقنا.. فلا نتأمل ، تمر الزلازل من تحتنا.. فلا نتعلم والشعوب التي  لا تتأمل شعوب تسكن بيتا آيلا للسقوط اسمه الخرافة ، شعوب لا تؤمن بالعقل ولا تعرف أن العقل هو فن الكبرياء وسر الوجود وفضيلة الاختيار التي منحها الله الإنسان ، فجعله أعظم من الجبال ، من الماء ، من الريح ، من الهواء ، من النار ، ومن الحديد .. إذا سكن الإخلاص، والإخلاص نابع من الإيمان بأن الإنسان يعيش ليحيا والحياة ليست هي العيش ولن يتأتى له ذلك الإ  بفلسفة الإرادة والقوة التي تصنع الإرادة والتفوق ،وتحقق ا نسانية الفرد....
 واقعنا اليوم متأزم حتى النخاع سواء من سلسلة من التفكك الأسري التي تتهاوى شيئا فشيئا، مقابل تواجد تكتلات جمعية لإضعاف الفرد وبقائه حرفا بلا معنى في تركيبة المجتمع، وظهور نوع من الزعماء المنافقين المتخصصين في التملق للناس ، وتسخير الحضارة لغايات همجية ..
حضارتنا اليوم حضارة متعفنة حضارة الصمت وظهور اقتصاديات المنفعة التي جعلت المجتمعات والأمة طاقات قدْرٌ كبير من الأفراد في هم الكدح ولقمة العيش ،  حتى لا تكون   هناك لغة تفكير في الأدمغة باستثناء هم لغة العيش في متتاليات  حرمان فكري ، فتتدهور المعتقدات الدينية والأخلاقية ، إذ لم يعد الفرد مركز الكون بل فكرة مسخرة في خدمة الآخر القوي ولعل هذا ما قد يلاحظ في سلوك مراهقي اليوم
فترتسم خارطة هذا الواقع اليوم  عل الشكل التالي :
1 تقوم الحياة اليوم على إهدار إنسانية الفرد عبر قنوات التعليم وطغيان البعد التدريسي الجامد غايته الوحيدة تخريج عبيد من الموظفين السطحيين الملمين بالقراءة والكتابة فحسب ...
2-نتاجات حضارة اليوم نتاجات سطحية وثقافات قاصرة لا تتذوق إلا الأعمال الرديئة من الموسيقى والشعر لذلك فان أنظمة التعليم هذه أسوأ عائق لخلق حضارة نضرة .. وقد اسوعبت فرنسا الأمر فتم توقيع عارضة تحمل مليون توقيع كتب عليه أنهم يغتالون الأدب في شارع غرونوبل.. سنة 2000وفي انجلترا في نفس العامن كانت مظاهرة الأباء حاشدة أمام المؤسسات التعليمية تنادي بضرورة التشديد على الأبناء في الفصل ...
-في الفن طغت الصنعة على الأصالة ، وأصبح شعاره التأثير بأي ثمن موضوعات الفن  تجري وراء الماديات، مريضة قيم الفن بل هي مرعبة ...
4-اختفاء عمالقة الابداع ليحل محلهم نفر من الأقزام الذي لا يليق انتسابهم للمهمة الجليلة التي تضطلع بها فلسفة الحضارة والحياة.
5- في البعد ألأخلاقي نجد بلبلة من المثل المتضاربة الحائرة بين النزعة الإنسانية والتفاؤل والإيثار والرحمة ونوع من الرخاوة والنفاق.
6- الفكر يغدو مشوشا ، ولا شيء يستطيع النفاذ إلى قاع الوجدان وظهور آدمية متناقضة من المتسامحين الضعفاء أو من المتعصبين الأغبياء فتبرز أزمة التكيف مع مشكلات العصر ..
يصف باسبرز هذا الواقع بشكل لاذع اذ يصفه بتدهور الروحية واصابتها بالهزال وبتنا مهددين باختفاء صفوة المثقفين الذين جاعدوا لترويض أفكارهم ومشاعرهم، وخلقوا لنا كل مفاخر البشرية ، والجماهير العريضة محرومة من الفراغ مع   الفكرة العاقلة ولاتهتم الا بالبحث عن المتع الرخيصة...
في ظل المعطيات الجديدة للعالم وانشطار الذات وتوزيع أشلاء  الانسان وتفتيت الروح وتوالد الكثرة وغياب الواحد والبحث عن طريق للعودة للواحد وعبورالكثرة  وتعميم التشظي تبرز الحاجة إلى ضرورة التفكير في الإرادة..
حضارتنا اليوم أضعفت الإرادة اٌلإنسانية في لغة الاستلاب تلك الارادة التي سطعت في فلسفة نتيتشه وقبله زرادشت   وهي نفسها البؤرة التي طالما أسستها التعاليم الاسلامية بشكل كلي وهذا ما سنجليه حين نقف عند :
مفهوم الارادة والانسان الأسمى عند نيشته  وكيف أسست له الزرادشتية ، والإرادة كملكة عند شوبنهاور   والقيم التي تعْبُر بها الديانة المسيحية إلى قوة الانسان وربطه بحب يسوع لينال حب الله / الأب
 ف تؤكد على الأنقسام الداخلي لطبيعة الأنسان (إلى روح وجسد)، وعلى أنه (صورة) الاله، رغم أنها تعتبر الجسد أصل الخطاياوالآثام. أما الإسلام فيعتبر الأنسان من أكرم المخلوقات، وقد خلقه الله من اجل عبادته وليرث الأرض ويعمرها. وكيف أن الله تعالى يريد أن يمن على الإنسان .
قال تعالى :{وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }القصص5 جاء في تفسير القرطبي : أي نتفضل عليهم "ونجعلهم أئمة"و قادة في الخير ودعاة إلى الخير. ولاة وملوكا؛
والملك إمام يؤتم به ومقتدى به. "ونجعلهم الوارثين" يرثون الملك،
"ونمكن لهم في الأرض" أي نجعلهم مقتدرين على الأرض وأهلها حتى يُستولى عليها. ويقول السلف الصالح : الملك بالرجال والرجال بالمال والمال بالتعمير وسنضيف  نحن و
التعمير بالإرادة..
 
3- ما الإنسان؟
الإنسان أو النوع البشري هو الكائن الحي الذي يعتبر الأكثر تطورا من الناحية العقلية و العاطفية ، سواء من منظور ديني أوحتى من منظورنظرية التطور في اللغة العربية غالبا ما تستخدم كلمة الإنسان بالمعنى الديني أي باعتباره كائنا يتمتع بكلمة إنسان في كلامالعرب يرجع إلى معنى الظهور،عكس الجن. ثم إنهم ذكروا للإنسان معنى آخر هو: النسيان. فقد أورد ابن منظور عن ابن عباس قوله: "إنما سمي الإنسان إنسانا؛ لأنه عهد إليه فنسي"، كما في قوله تعالى: "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما". وبهذا قال الكوفيون: إنه مشتق من النسيان.لذا فإن معنى الإنسان في كلام العرب يعني الظهور، والنسيان.ومعرفة هذه النتيجة لها دور مهم، في تحديد ما يجب أن يكون الإنسان عليه، فما دام أن الظهور أصل معناه، فيفترض به أن يكون الظهور سمته البارزة، فيحقق هذا المعنى في: نفسه، وطريقته، وحياته. فيكون ظاهرا في : مبادئه، وقيمه ، وأخلاقه ، ودينه الذي يؤمن به، فلا يستخفي، ولا يتوارى، كما يتوارى الجن .
 في حين تستخدم كلمة بشر أو النوع البشري للإشارة للإنسان ببعده الحيواني الغرائزي .
الانسان كائن حي يختلف تعريفه البيولوجي عن التعريف العقائدي او الثقافي. فبيولوجياً، يعّرف الانسان بالثديّ المالك لعقل متطور عن سائر المخلوقات ، وعقائدياً: فهو تلك الروح الكامنة داخل هذا الجسد وتتحكم الروح بأفعال وتصرفات الانسان.وبين كل هذه التدقيقات نجد النسان مسؤلا ذا اراة بينما بقية عناصر الكون تظل مسلوبة الإرادة فالحيوانات مثلا ليست مسئولةً عن سلوكها .
وقد تغيرت النظرة الفلسفية إلى الأنسان تبعا لتطور الفكر البشري. ففي الفلسفةاليونانية كان يفهم الأنسان على انه مواطن للمدينة-الدولة (أرسطو). وكان يقام حد بينه وبين الأشياء الخارجية بحيث أمكن تجريد الأنسان عن هذه المواقف الملموسة أو تلك (وخاصة في فلسفة أفلاطون).
 
 
الفصل الأول : مفهوم الإرادة في الفكرالفلسفي الغربي
 
4-المذهب الارادي عند الرواقيين:
تستطيع أن تجد بذور المذهب الإرادي أولاُ عندالرواقيين الذين أرجعوا كل شيء إلى الفعل ، ولما كان الفعل لا يتم إلا بالأجسام ،فهي وحدها تؤثر ، فقد قالوا إن كل شيء جسماني وإن كل شيء لا يتم إلاّ بالإرادة . والرواقية تعترف بالحتمية أو بالقدر ، كما أن الإرادة الإنسانية عندهم تخضع لهذهالحتمية . ويقولون بأن جوهر الإنسان هو إرادته ، القول الذي سوف يردده فيما بعدشوبنهور ، بل إن شوبنهور ذهب أبعد من الرواقيين حينما قال إن الكون كله في أساسهإرادة وإن من طبيعة الإرادة ، أي القوة المحركة والمكونة للأنا ، ألا تعمل إلاّ علىنحو متتابع ، فهي لا تنجز إلاّ فعلاً واحداً يمكن إدراكه في المرة الواحدة . وذلكبموجب أنها واحدة ومسيطرة، ومن ثم لا يمكن أن تكون في الوقت عينه. فالإرادة تعيهويتها في سلسلة العمليات التي تحققها. فمهما تعددت الانطباعات المختلطة التي تتكونمنها الحياة وأثرت آنياً في الكائن الحاس ، لا يكون هناك إلاّ وعي واحد لكل منها ،كما لا توجد إلا إرادة واحدة . فما هو آني ومتكثر في الإحساس يصبح متتالياً فيالفكر . فالإرادة إذن هي التي توفر لنا النمط الأولي لكل هوية ولكل وحدة (1) أما مايقوله " نيتشه " تلميذ شوبنهور عن الإرادة : " حيث توجد حياة ، توجد أيضاً إرادة . إرادة قوة لا إرادة حياة " (2) وحينما نظل نسأل عن ماهية الوجود فنجدها عبارة عنعقل كصيرورة وإرادة كسيرورة وإذا بحثنا عن مفهوم الإرادة نراها عبارة عن تصميم واععلى أداء فعل معيّن ويستلزم هدفاً ووسائل لتحقيق هذا الهدف ، والعمل الإرادي وليدقرار ذهني سابق ويرى الماركسيون أنها ثمرة المعرفة والتجربة (3) وفكرة الإرادة تحتلمكانة عظمى في فلسفة شوبنهور ومذهبه ، فانطلاقاً منها يفسر شوبنهور الوجود والعالموالإنسان على أساسها . فالإرادة من – ناحية – هي سر الوجود، باعتبارها حقيقتهوجوهره المعبّر عن ذاتيته وآنيته في آن واحد. وهي من ناحية أخرى مصدر التطورالمشاهد في كل مظاهر الطبيعة ، ويتضح من ذلك أن الإرادة هي مبدأ الوجود عند شوبنهور، إذ أنها تتغلغل في جميع الموجودات ، ومن ثم نستطيع أن نقول إن مذهب شوبنهور فيوحدة الإرادة و أوليتها يؤول إلى مذهب وحدة الوجود – مذهب وحدة الوجود الديني والذييعني أن العالم والله – جوهرياً – شيء واحد ، أمّا الظواهر المشاهدة في العالم فهيلا تعدو أن تكون مظاهر متنوعة – الكثرة – لوحدته المطلقة . ولكن وحدة الوجود عندشوبنهور تختلف عن مثيلاتها عند اسبينوزا وعند المتصوفين ، إذ أن شوبنهور ينكر وحدةالوجود الدينية ، ويأخذ بالمعنى الفلسفي لهذا المفهوم ، أعني بمعنى أن هذا الوجوديسيطر عليه مبدأ واحد هو الإرادة .
وهنا ، تنشأ مشكلة – وهي المشكلة الخالدة فيالميتافيزيقا التقليدية – أعني بها مشكلة الوحدة والكثرة . فإذا كانت الإرادة وحدة، فكيف تصير كثرة ، في الظواهر التي نتمثلها ؟ وكيف نفسر هذا الانتقال من الوحدةإلى الكثرة ، ومن الواحد إلى التعدد ؟
وإذا كان أفلاطون قد حاول للخروج من هذاالإشكال أن يفترض وهو بصدد تكوين نظرية المثل ، عالم من الصور المتوسطة تكون وسائطبين مثال الخير ، وهو قمة عالم المثل ويقول جان فال " .. وكان ما يقصده أفلاطونهو إثبات وجود ماهيات أو مثل ما وراء الظاهراتهو قمة عالم المثل أو صورة الصور، وبين المحسوسات ، فإن شوبنهور ذهب ، تحت تأثيرأفلاطون ، إلى أن القول بالصور باعتبارها الأشكال الأزلية للظواهر أو الأنواعالمعقولة التي تشارك فيها المحسوسات . وهذه هي بداية التحقق الموضوعي للإرادةالكلية .
عموماً، إن الإنسان منا يقع في ارتباك وحيرة إذا سألته: لماذا هويريد ؟ فإذا هو أجاب بأنهّ يريد هذا لكذا ، عدنا إلى السؤال من جديد : ولماذا يريدما يريد ؟ والتسلسل هنا واضح ، فإن الإرادة لانهائية ، إذ أنها مطلق إرادة لا تخضعلقانون العلية أو قانون السبب الكافي . وهذا هو السبب في أننا سنظل في جهل مطلقبالعلة في الإرادة المطلقة . ومن هنا أيضاً قولنا إن الإرادة ميتافيزيقية . الإرادةتنتمي للواحد والزمان والمكان ينتميان للكثرة ، لذا من أجل تحقق الإرادة ينتفيالزمان والمكان وتتحقق الإرادة في الكينونة / الذات العليا ، وللوصول إلى هذا النوعمن الإرادة نحن بحاجة إلى إرادة العمل أو النشاط .
وفي كلتا الحالتين نستطيع أننقول إن الشيء الجوهري والأساسي في الإنسان إنما هو الإرادة، وهي القوة المسيطرةالمتسلطة ليس على الإنسان فحسب، ولكن أيضاً على العالم والوجود. وليس العقل إلاخادماً لها . فنحن لا نريد الشيء لأن الفكر يبرر هذه الإرادة، وإنما نحن نخلقالمبررات للشيء لأننا نريده. فالعقل دائماً يخترع لأهواء الإرادة مبررات منطقية .
فالعقل والجسم إذن أداتان للإرادة، ومظاهر ذلك أن الإرادة هي التي تشكل المخ،وتبني الأوردة لدورة الدم، وإرادة التكاثر هي التي تشكل أعضاء التناسل. وإرادةالنماء هي التي تجذب النبات إلى الشمس.
ويسأل شوبنهور سؤالاً يحمل معنى الإنكار : أيمكن أن يكون من أعمال العقل ذلك الصراع القوي الذي يخوضه الإنسان طلباً للطعامأو الأنثى أو الأطفال ؟ .
ويجيب شوبنهور على السؤال : كلا ، بل هي الإرادة ؟
وإرادة الحياة تدفع كل شيء إلى النهاية ، ونهاية النهايات يقع كل إنسان آخرالأمر فريسة لإرادة الموت ، وللموت فلسفته الخاصة لدى الناس وحسب المعتقد أو اليقينالذي يتلبسه ، ما يهمنا هو ذلك النوع من الإرادة الذي يمنحنا الكينونة والسيرورة فيأن نحدد الإجابة على سؤال التحدي : نكون أو لا نكون ؟ ولن تتحقق تلك الإجابة حتىنجيب على سؤال " الإرادة " .. كيف نصنع أو نحقق الإرادة ؟ ..
5-الارادة ملكة ، شوبنهاور.
من الواضح جداً أن الإنسان لا يستطيع أن يقوم بأي عمل أو نشاط بدون ملكة الإرادة. فإن تحرك أو تكلم أو فكّر أو أحسّ بشيء فلابد أن تكون هذه الأعمال بدافع الإرادة . وبدونها لا تتميز هذه الأعمال عن أية حركة آلية .
ومن الضروري أيضاً أن نقول إنالإرادة لا وجود لها بدون ملكة الإستنتاج، لأن الإرادة بدون الإستنتاج والمفاضلةبين الأشياء لا تكون إرادة بالمعنى الصحيح بل عملاً آلياً. فنتائج الإستنتاجوالمفاضلة هي الدافع للإرادة على العمل الإرادي ، وبدون هذه النتائج ينعدم الحافز ،وعندئذ تجمد الإرادة عن العمل ، بل ينعدم وجودها كل العدم في العقل الواعي أيالشعور ، كما ينعدم العقل تبعاً لانعدامها .
ويقول الصديق صالح النبهان بأنالمسئولية هي المحرك الأساسي للإرادة ، مما يجعلنا نسأل : ما هي القوة الكامنة فيالمسئولية وكيف نقبض عليها أو نحددها ؟ .
مع علمنا المسبق بأن الإرادة لا تبدوفي الجسم وحده، بل في كل مظاهر الطبيعة البشرية. فحياة الإنسان هي سلسلة من رغباتلا تهدأ ، وكفاح مستمر من أجل الحياة ، وتوفير القوت ، والإبقاء على النوع . ولذلكفإن مركز الإرادة في الجسم يقع في الأعضاء التناسلية ، فهي وسيلة حفظ الحياةواستمرار النوع .
وهكذا، فإن الإرادة – لا العقل – هي جوهر الطبيعة البشريةوالوجود الإنساني والعقل هو مجرد أداة في خدمة الإرادة. وبينما كان للعقلالسيادة في فلسفات سابقة فإنه أصبح – مع شوبنهور – ذا مكانة ثانوية باعتباره تابعاًللإرادة ، وفي هذا قلب للوضع الذي سارت فيه الفلسفة ، فقد كان العقل جوهر الإنسانحتى جاء شوبنهور ليعلن صراحة إن جوهر الإنسان هو إرادته ، وهنا تبدو أصالة شوبنهورالحقيقية .
وإذن، فالإرادة هي سر الوجود، وإذا أردنا أن نعرف حقيقتهافلنتجه إلى باطن الأشياء، ولنبدأ بأنفسنا أولاً. وليكن في أذهاننا دائماً أنه لايمكن أن نتعرّف على الحقيقة الباطنية لوجودنا إلاّ إذا تحول الإنسان إلى ذات عارفةخالصة ، وذلك لأن هذا الإنسان نفسه متأصل في هذا العالم كفرد ، وجسمه – الذي هونقطة البداية في إدراك العالم – هو موضوع من بين الموضوعات أو ظاهرة من بين الظواهر، وهو لن يصل إلى حقيقة جسمه وحقيقة الأشياء إذا ما نظر إليها من الخارج ، فلن تبدوله في هذه الحالة إلاّ كموضوعات أو تمثلات . أما إذا تحول الإنسان إلى ذات عارفةخالصة وتأمل نفسه من الباطن ، فسوف يجد أن حقيقة جسمه وأفعاله وحركاته ووجودهالباطن بوجه عام يمكن تلخيصها في كلمة واحدة هي : الإرادة .
الإرادة وحدها – هيما يمكن أن يعطيه مفتاح وجوده الخاص ، ويكشف ويبينّ له المغزى والتركيب الداخليلوجوده ، ولأفعاله ، وحركاته .
والذي يهمنا أن نبرزه هنا هو أن الإنسان إذاتأمل نفسه من الباطن فلن يكتشف في نفسه إلاّ انه مجرد " إرادة " وعلى ذلك ، نستطيعالقول بأن الإرادة هي محور أو مبدأ الوجود وهي المبدأ الذي يعبر عن الكون بأسرهويجسد الطبيعة . وبكلمة واحدة إن العالم إرادة .
وإذنفالإرادة هي المبدأ المسيطر على الحياة. فالنبات والحيوان والإنسان – فيما يؤكدشوبنهور – تكثر من أنواعها عن طريق واحد ، هي إرادة الحياةتلكالإرادة العمياء ، المندفعة وراء رغباتها .
إن الإرادة عند شوبنهور هي إرادةالحياة ، بمعنى أنها اندفاع أعمى لا عاقل نحو الحياة . والواقع أن كلمة " اندفاع " هي أنسب الكلمات لمعنى الإرادة الواسع عند شوبنهور ، لأنها لا تشير إلى شيء محددبالذات . فالمعنى الذي يستخدمه شوبنهور للإرادة معنى واسع جداً .
وتقولالباحثة الممتازة في فلسفة شوبنهور " هيلين زيمرن :
"
إن الإرادةهي الفاعل والمحرك في كل الوظائف الجسمية واللاشعوريةوالباطنية، وإن الوجود العضوي نفسه لاشيء بدون الإرادة . وفي كل القوى الطبيعية عمل أو نشاطالدافع أو الباعث يكون متحققاً بالإرادة . وفي كل الحالات حيث نجد أي حركات ذاتيةأو قوى أصلية رئيسية ، فينبغي إرجاعها إلى ماهيتها الباطنية كإرادة " .
ويقول شوبنهور : " هي الطبيعة العميقة للأشياء ، وهي تشكل الجوهر لكل شيءسواء جزئي أو كلي . وهي تبدو في كل قوة عمياء مندفعة في الطبيعة كما تظهر في كل فعلإنساني ، ويرجع الاختلاف في هاتين الناحيتين إلى درجة تجلي الإرادة في كل منهما . فهو اختلاف في درجة الوضوح ، وليس اختلافاً في طبيعة الإرادة " .
والإرادةهي الشيء المطلق في الجسم ، فإذا كان العقل يصيبه الإرهاق ، فإن الإرادةلا تتعب أبداً ولا تكل ، بل إنها تعمل حتى في أثناء النوم . وتكون كل قوة الإرادةموجهة نحو المحافظة على الجسم. وتجعل من العقل حارسا ليلي يمشيعلى قدميه طوال الليل.
وإذا كان الفلاسفة – قبل شوبنهور- قد عرّفوا الإنسانبأنه حيوان عاقل ، بمعنى أن كيان الإنسان يكمن في العقل باعتبار هذا الأخير جوهرهالفكر والمعرفة والإدراك ، فإن شوبنهور يطالبنا بأن نطرح هذه الغلطة الشائعة فيتاريخ الفلسفة .
ويقول إن الإدراك ليس إلاّ مجرد سطح خارجي لعقولنا لا نعرف مايكمن خلفه ، إذ أن وراء العقل الواعي تكمن الإرادة اللاشعورية ، ومن ثم ينبغي ، فيرأي شوبنهور ، أن نعرف الإنسان بأنه إرادة ، أو بمعنى آخر أن ما يتحكم في الإنسانليس هو العقل وإنما الإرادة الشعورية أو اللاشعورية على حدّ سواء
وهذهالإرادة قوة ملحة ورغبة مستمرة لا تهدأ وقد يبدو العقل ، خطأ ، وكأنه موجهللإرادة ، ولكن العكس هو الصحيح – كما يقول شوبنهور – في أغلب الأحيان ، إذ أنالعقل ما هو إلاّ خادم أو أداة في يد الإرادة .
ويتضح ذلك عندما نريد شيئاً ،فإننا لا نريده لعلة تستدعي ذلك ، بل إننا ، بالأحرى ، نوجد عللاً له لأننا نريده . وتتضح أيضاً جوهرية الإرادة في الإنسان عندما نتجشم كل مشقة في إقناع المرء ، ثمنتبين في النهاية أنه لا يريد أن يفهم ، وأن علينا أن نخاطب إرادته ، وعلماء النفسأو دارسوا البرمجة اللغوية العصبية يقولون أدخل للإنسان من خلال نافذتين هما العقلوالقلب والبعض يضيف لهما الحاجة أو الرغبة .
كما أن الذاكرة ليست إلاّ أداةفي يد الإرادة ولنلاحظ إلى أي مدى يطول تذكرنا لانتصاراتنا، والسرعة المذهلة التيننسى بها هزائمنا، وليس وراء ذلك من سبب سوى الإرادة.
وإذا كان هناك نوعينمن الإرادة أحداهما عمياء وتتحرك في اللاشعور وأخرى مبصرة تتحرك في الشعور ولكنهاغير فاعلة ، فهل تحديد الهدف يكفي كمحفز ومنشط للإرادة المبصرة ؟
 6 نيتشه،( فريدريك نيتشه)
فريدريكفيلهيلم نيتشه (15 أكتوبر ، 1844 - 25 أغسطس، 1900) فيلسوف ألماني ، عالم نفس،وعالم لغويات متميز. تميز بشخصية عدوانية جداً، كان ناقدا حادّا للمبادئالأخلاقية،و النفعية، و الفلسفة المعاصرة ، المادية، المثالية الألمانية،الرومانسية الألمانية، والحداثة عُموماً. يعتبر من بين الفلاسفة الأكثر شيوعا وتداولا بين القراء . كثيرا ما توصف أعماله بأنها حامل أساسي لأفكار الرومانسيةالفلسفية و العدمية و معاداة السامية و حتى النازية لكنه يرفض هذه المقولات بشدة ويقول بأنه ضد هذه الإتجاهات كلها .في مجال الفلسفةِ والأدبِ، يعتبر نيتشهفي أغلب الأحيان إلهاما للمدارس الوجودية وما بعد الحداثة.أهم مؤلفاته ماوراء الخير والشر. إرادة السلطة. هكذا تكلم زارادشت.
إن محورالدائرة في فلسفة نيتشه هي إيجاد إنسان يتفوق على الإنسانية، لذلك نراه يهزأبكل من عدّه التاريخ عظيماً بين الناس قائلاً أن الجيل الذي يلد العظماء لم يولدبعد وأن الرجل في هذا الزمان يمكنه أن يتفوق على ذاته، وكل ما بوسع الناس أنيفعلوه في سبيل المثل الأعلى هو أن يتشوقوا إليه ليخرج من سلالتهم في مستقبلالأزمان يؤمن نيتشه بأن الشخص هو سيد قدره ولذا فان موقفه تجاه الجهاز التربوي التقليدي واضح جدا فهو يرى بأن الجهاز الرسمي التربوي هو سيد أقدار طلابه والذي يحطم التطور الفردي دون إعطاء أي فرصة للفرد في التعبير عن قدراته، حيث إن الجهاز مبني بشكل هرمي ومكون من أهداف وبرامج وما إلى ذلك كتبت جميعها على يد أشخاص أيديولوجيين وقيمت على أيدي نفس الأشخاص 
اعتبر نيتشه الارادة قوة دافعة للتغير الاجتماعي كما ظهرت عند شوبنهاور وشيلنغ وفشته، الذين رأوا بأن العناصر الذاتية هي التي تحرك الأحداث الاجتماعية والتاريخية ونسبوا الى الأبطال الدور القيادي في التغير الاجتماعي والحضاري. فقد اعتبر فشته «الأنا» القوة الخلاقة التي تتفجر منها الأشياء وأنها العقل والإرادة والمعرفة والعمل، وكذلك الينبوع الذي ينبثق منه العالم الموضوعي وليس هناك ثمة خارج عن الذات. وينتمي شيلنغ إلى هذا الاتجاه أيضا، الذي دعا إلى فلسفة التطابق بين الوجود والفكر وبين المادة والروح وبين الذات والموضوع. أما شوبنهاور (1788 ـ 1860) فقد رأى بأن المجتمع الصناعي منقسم على نفسه إلى عالمين، عالم المصلحة والفردية وعالم الرغبة المقطوع الصلة عن عالم الحساب، حيث لم يعد للعقل الأداتي المسخر لخدمة الأنانية العطشى للتملك أي صلة بقوى الحياة.
في كتابه «العالم كارادة وتمثيل» ابتعد شوبنهاور عن عالم العقل والعلم والتقنية الذي يمثل بالنسبة له عالم الأنانية ونفي الحياة الاجتماعية، ودعا الى نظام اجتماعي آخر يتجه الى الحياة والرغبة والى كل ما هو غير شخصي في الخبرة المعيشة، وليس الى ما هو واع أو إرادي. كما دعا الى تدمير الذات وأوهام الوعي والحذر من أوهام النظام الاجتماعي الذي يقتصر على حماية الشهوات الأنانية.
غير ان نيتشه يعارض رأي شوبنهاور، وان كان يتبنى نقده للحداثة، فهو يطالب بتراث عصر التنوير، وبخاصة فولتير، ولكنه في ذات الوقت يرفض المسيحية، لأن البشر انفصلوا عن الآلهة. ولكن هذه القطيعة ليست نهاية العالم بقدر ما هي تحرير يفتح طريقا جديدا، وفي ذات الوقت، جريمة اغتيال في آن، حيث تركت الانسان محملا بعقدة الذنب لأن «الإله قد مات» وقد قتلناه وما زال ميتاً. وان كل ما يمتلكه العالم من مقدس ومن قوى جبارة، حتى هذه اللحظة، قد مات تحت طعنات خناجرنا، ولكن من سيمسح الدماء من على أيدينا؟ إن «موت الإله» يعني عند نيتشه نهاية الميتافيزيقيا التي نتجت من العلاقة بين الفكر والوجود ووحدتهما معاً. وبهذا يريد نيتشه قلب جميع القيم والمعايير واستبدالها بالتكيف مع النظام العقلي للعالم الذي يمجد الإرادة والعاطفة.
الشرق والغرب يلتقيان يرى نيتشه بأن وظيفة الفلسفة الحقيقية هي انقاذ الفلسفة وذلك لأن لها وجهين; واحداً له والآخر للآخرين. والواقع كان نيتشه ناقداً لعصره كفيلسوف وعالم نفس وشاعر في الوقت ذاته، استطاع ان يحل لغز معنى الوجود.
كما ان نيتشه لم يكن مهتماً بالغرب فحسب، بل بالشرق ايضاً. فقد رأى بأن بوذا هو في موازاة الإله ديونيزوس عند الاغريق، وهو ما جلب انتباهه الى زرادشت النبي الفارسي. وقد اعتمد على اسطورة تقول بأن زرادشت كان قد رحل الى أثينا وفيها تنبأ بظهور سقراط وانه سيحكم بالموت.
والحال ان الربط بين الشرق والغرب هو ما سعى اليه نيتشه، حيث أشار الى انه في عصر الديمقراطيات الشعبية المنظمة تقنياً يجب على الفرد ان يرتفع الى فهم أفضل للحرية الفكرية. وعلى العكس من كثير من الطوباويين كان نيتشه متأكداً مما سيعانيه العالم من آلام. كما ربط نيتشه بين الوعي التراجيدي للاغريق وبين الفكر البوذي، معتبراً ان الآلام ليست إلا نتيجة للخطيئة، ولهذا وجه هجومه ضد المسيحية.
اكتشف نيتشه في كتاب العالم كإرادة وتمثل لآرتور شوبنهاور عوالم نظريّة جديدة لم يكن لِيَحلم بها وهو شابّ تربّى فكريا في أحضان الفيلولوجيا واعتاد التحقيق والتدقيق في النصوص الكلاسيكية وتروّض على استعمال المنهج التحليلي التاريخي المفصّل والنقد المنهجي.
ولقد قال واصفا الأثر الذي أحدثه فيه اطلاعه على عمل شوبنهاور : « كلّ سطر [من الكتاب] يدعو للتسليم، للرفض، للإستسلام: لقد رأيت في تلك المرآة معكوسة، بحجم رهيب، العالم، الحياة وذاتي. لقد حدّقت بي، من خلال تلك الصفحات، العين المشرقة واللامبالية للفنّ. هنا مرّت أمام أعيني الداء والدواء، الطرد والعودة، النعيم والجحيم ».
ويبدو أن تلك التجربة الفكرية، التي أحدثها فيه الإطلاع المفاجئ على كتاب شوبنهاور، كانت تجربة محدّدة وعميقة وَسَمَت ذهنيته بِسِمَات لازمته طوال حياته؛ على الرغم من أنه في الأخير، وكعادته، انقلب على أعقابه وناصبه العداء وشنّع عليه.
وما لازمه من فلسفة شوبنهاور هو جانبها السلبي أي معارضتها العقل بالإرادة وقاعدتها اللاعقلانية وعداؤها للوضعية وللعلم وتشاؤمها العميق والزّعم بأن الخلاص ليس متاحا للإنسان إلاّ عن طريق الفنّ والموسيقى.
وما كان لأي شخص درس الفلسفة بجدّية وتشبّع بروحها النقدية الصارمة أن يفتتن بسهولة بفلسفة شوبنهاور وأن يجاريه في أفكاره ويتبنّاها دون نقاش. بل إنه من المفروض أن يكون إطلاعه الشامل على تاريخ الفلسفة ومعرفته بمختلف الأنساق الفكرية والعلمية درعا يقيه من التهافت على فكر ما دون اخضاعه لعمليّة تمحيص ونقد عميقين. وقد تمكنه معرفته الشاملة من وضع فلسفة شوبنهاور في موضعها وتأطيرها في مجالها الخاصّ من تاريخ الفلسفة.

«العالم هو تمثلي» (بهذه القولة يفتتح شوبنهاور كتابه العالم كإرادة وتمثّل، ومعروف في تاريخ الفلسفة أن هذه المقولة تميّزت بها النزعة الذاتويّة وكلّ التيارات الفكرية المماثلة لها. والفلسفة المثالية ذات المنحى الرومانسي، التي سادت الفكر الألماني في تلك الفترة، هي ذاتوية خالصة لأنها تختزل الواقع العيني وقيم الحق والجمال في ادراكات الذات وتمثلاتها: العالم المادي والقيم الأخلاقية من خير وشرّ وجمال وقبح، والقيم العلمية والمنطقية من صدق وكذب وصواب وخطإ هي أمور نسبيّة ترجع أساسا إلى خيارات شخصية تحدّدها الذات دون وجود ما يطابقها في الواقع العيني. وشوبنهاور يثني على الفيلسوف الإنجليزي بركلي الذي، حسب رأيه، عبّر عن تلك الحقيقة المبدئية التي تنصّ على أن الوجود هو ما يُدرك ،بل إن هذا الرأي، حسب شوبنهاور، عبّر عنه حكماء الهند الذين جعلوا المبدإ الأسمى حقيقة أن وجود الشيء وإدراكه الذاتي مترادفان.
بالتساوق مع هذه الحقيقة "الخالدة" هناك حقيقة أخرى لا تقلّ عنها أهميّة، تمعن في تجذير النزعة الذاتية وتعمّقها، حيث أنها تنصّ على أن «العالم هو إرادتي»أي أن العالم في ذاته لا وجود له وإنما وجوده مشروط بالذات المدرِكة ومستنفذ في تمثلاتها ومحكوم بإرادتها الذاتية..
كلّ القوى الطبيعيّة تبقى، في نهاية المطاف، غامضة الفهم ومستعصية على الإدراك الإنساني لأن ظواهر الطبيعة والقوى المسيّرة لها، ليست إلاّ « درجة معيّنة من تموضع الإرادة، أو ما نعتبره نحن جوهرنا الخاصّ؛ أي أن هذه الإرادة في ذاتها تقبع خارج الزمان والمكان ». على هذا الأساس تغدو المعرفة الإنسانية غير قادرة على المسك بتلك الإرادة الكونية، التي هي الشيء في ذاته، ولا حتى قانون السببية يساعد على اكتناه اسرارها. مبدأ السببية الذي تعتمد عليه العلوم الوضعيّة ليس إلاّ إسقاطا ذاتيّا ولا وجود لما يطابقه في الخارج، لذلك، فكلّ سبب طبيعي ليس إلاّ سببا ظرفيّا» أي لا ينبع من ذات الأشياء بل يُلمّح فقط إلى التمظهر الخارجي لتلك الإرادة الواحدة المستعصية على الإدراك الإنساني، بحيث أن تمظهراتها المتدرّجة تكوّن العالم المرئي برمّته.
يتجاوز نيتشه في كتابه هكذا تكلم زرادشت ما قاله الكثير من الفلاسفة إلى دعوتنا إلى تحدي قدراتنا وتبدو الدعوة في جوهرها   جوابا  عن السؤال الذي يطرحه الكثير من الفلاسفة الذين يشعرون بالقلق على مصيرنا نحن البشر ، وهو كيف يمكن الحفاظ على الإنسان ؟ في الوقت الذي كان فيه زرادشت قد سأل قبل هذا بكثير سؤالا  أكثر أهمية وهو كيف يمكن قهر الإنسان ؟ بعد الحرب العالمية الأولى تصدى عدد غير قليل من الفلاسفة على رأسهم الفيلسوف الألماني هيدجر لدراسة أعمال هؤلاء الفلاسفة الغيبيين الهراطقة من أمثال نيتشه  وكيركجور بإعجاب شديد يفوق الوصف أبعد عنهم تلك الرؤية التي تميزت خلال القرن 19 بضيق الأفق وقربهم كثيرا إلى ما يحدثونه من أثر كبير تجاوز حدود هذا التاريخ إلى يومنا هذا .
طبيعة الانسان في فلسفة نيتشه 
في كتابه هكذا تكلم زرادشت يؤمن نيتشه بأن الإنسان مخلوق حر بطبيعته مسؤول عن قدره يستطيع أخذ القرارات الملائمة له أنه القوة الكامنة الايجابية التي بداخل كل منا الموجهة لنا، القوة الحقيقية التي يجب السماع لها بكل أحاسيسنا إنه يرى أن متطلبات الأنا الأعلى المتمثلة بالمسلمات إنما هي متطلبات لعينة وصعبة للغاية مثلها مثل متطلبات الإيديولوجية، ولذا فإننا إذا ما استمعنا إلى متطلبات أنفسنا فسوف تكون حياتنا مغايرة للتي هي عليه الآن ، حياة ذات معنى.
نستطيع أن نقول ان نيتشه يفتش عن الفرد المتميز والحقيقي لكي يقوم بتطويره ولكي يعطيه اللفرصة للتسامي والتعالي عن كل ما  يقيد ذاته .
 
 بدلالة إضافيةيتحدث الباحث الألماني أورجي سانجاراسكيتا Urgyen Sangharakshita عن فلسفة نيتشه متجاوزا دلالة الإنسان الأسمى ويرى أن المفهوم انتشر عرضا بعد مسرحية الإنسان والإنسان الأسمى   لـ: George Bernard Shaw. ثم بدأ هذا المفهوم بالتدريج يبتعد عن أطروحات فلسفة نيتشه لنكتشف أن نيتشه لايقصد الإنسان الأسمى بل الإنسان المتفوق.   الذي يدرك أن الإرادة تابعة للعقل واختيارها نابع من مقايسة عقلية سابقة للفعل، هذا هو المذهب العقلاني، الإرادة هي الأساس ومبادئ العقل والتفكير تسبقها حرّية الإختيار: أنا أريد إذن أنا أفكّر هذا هو مبدأ المذهب المقابل أي مذهب اللاعقل. ولنا أن ندرك من خلال قراءة ما كتبه نيتشه عن هذا هو الإنسان.. أن ألانسان هو الارادة والذاتية التي تسعى إلى التفوق  ببطولة وتحمل الألم
عن كتاب "هذا هو الانسان" لنيتشه، الصادر بالعربية في "منشورات الجمل"، ألمانيا، ترجمه عن الأصل الألماني علي مصباح نقلاً عن: "النهار" 8/8/2003
هذا هو الإنسان.. بقلم فريدريك نيتشه
بقطع النظر عن كوني متدهورا، انا ايضا نقيض المنحط. لقد اثبتّ ذلك بكوني اتوصل غريزيا الى اختيار العلاج المناسب دوما في مواجهة حالاتي الصحية السيئة، بينما لا يلجأ المنحط دوما الا الى الوسائل المهلكة. لقد كنت معافى في كليتي، لكنني من وجهة اجزائي وتفاصيلي، وكحالة خاصة كنت متدهورا. ان تلك الطاقة التي سمحت لي بالانعزال والتخلص من كل شروط الحياة المعتادة، وتلك الصرامة مع النفس التي جعلتني ارفض ان اظل مكفولا ومخدوما ومطببا، كل هذا ينبئ عن امتلاكي آنذاك ليقين غريزي مطلق تجاه ما كان ضروريا لي. لقد اخذت مصيري بيدي، وعالجت نفسي بنفسي; الشرط الاساسي في ذلك - وهذا ما يثبته كل عالم فيزيولوجي - ان يكون المرء معافى في جوهره. ان كائنا من النوع المرضي في الاساس ليس في امكانه ان يغدو معافى، وأقل من ذلك ان يكون في امكانه معالجة نفسه، وفي المقابل فإن الوقوع في المرض سيكون بالنسبة الى من هو معافى بطبعه حافزا حيويا للاقبال على الحياة; الحياة/ في كثافة/. هكذا تتراءى لي الآن تلك الفترة الطويلة من المرض: لقد اكتشفت الحياة من جديد، بما في ذلك نفسي، وغدا في وسعي ان اتذوق كل الاشياء الطيبة بما في ذلك الاشياء الصغيرة كما لا يستطيع احد آخر ان يتذوقها بتلك السهولة. هكذا جعلت من رغبتي في ان اكون معافى ومن رغبتي في الحياة فلسفتي الخاصة...
لننتبه اذن الى هذا الامر: ان السنوات التي بلغت حيويتي فيها المستوى الادنى كانت هي السنوات التي انقطعت فيها عن كوني متشائما. كانت غريزة التجدد الذاتي هي التي منعتني من تعاطي فلسفة الفاقة والقنوط... لكن ما الذي يجعل المرء على العموم قادرا على تمييز تكوينة جيدة؟ ان يكون ذا تكوينة جيدة يعني ان يكون شيئا تستسيغه حواسنا; مصقولا من خشب صلب وليّن وشذي الرائحة في الآن نفسه. شخص لا يستطيب الا ما كان نافعا له، وحالما تتجاوز الاشياء حد المقدار النافع يكف عن استساغتها والتلذذ بها. انه يدرك بمحض حدس وسائل العلاج ضد كل ما هو مضر، ويحوّل لمصلحته الصدف الكريهة; وعلى العموم، كل ما لا يتسبب بهلاكه لا يمكن الا ان يجعله اكثر صلابة. انه يجمع غريزيا من كل ما يرى ويسمع ومن كل ما يحدث له رصيد ثروته: مبدأ انتقاء; يترك الكثير من الاشياء ولا يحفل بها. وهو على الدوام بين اهله واصحابه سواء كان بين كتب او اناس او بين احضان وسط طبيعي: يكرّم فيما هو ينتقي ويقبل ويمنح ثقته. انه يتصرف في تأن وبطء تجاه كل ما هو مثير; ذلك البطء المتأتي من تجربة طويلة في الحذر والكبرياء المقصودة; يختبر الاثارة المقبلة عليه، وليس من طبعه البتة ان يمضي اليها. انه لا يؤمن لا بـ"الشؤم" ولا بـ"الذنب": يعرف كيف يصفي حسابه مع نفسه كما مع الآخرين، يعرف كيف ينسى; وهو قوي بما فيه الكفاية كي يسير كل شيء حتما لمصلحته. هكذا، فأنا نقيض المتدهور اذن! ذلك انني انما كنت اصف نفسي بهذا الكلام.  
خلاصات  
اضاءات في قوة الإرادة

الإضاءة الأولى .. قوة الإرادة والهمة العالية /

الهمة العالية مطلب عظيم يتمناه أصحاب النفوس الكبيرة التي تتوق إلى المعالي ، وقوة الإرادة هي وقود هذه الهمة العالية فبدون هذا الوقود – بعد توفيق الله عز وجل – لن يتم لهذه الهمة منالها ومبتغاها.
- الإضاءة الثانية .. قوة الإرادة طريق لإنجاز أشياء غير متوقعة ..

الغالب من الناس يتصور في نفسه قصوراً متوهماً ، وكأن أصحاب الإنجازات ليسوا من البشر ، فإذا نظر إلى حافظ القرآن ، أو إلى طالب متفوق في دراسته ، أو إلى مبتكر ، أو إلى عالم ، أو إلى خطيب ، أو إنسان متميز قلل من نفسه واتهم ذاته بعدم القدرة على مقارعة هؤلاء ، واستمر على ماهو عليه ؟ في مكانه لايتقدم إن لم يكن يتراجع ،نريد منهم نفض غبار الأوهام وارتداء رداء قوة الإرادة بعزيمة تتهاوى معها كل المثبطات والعوائق.
- الإضاءة الثالثة .. قوة الإرادة طريق لفتح آفاق جديدة /
الضعف الذي يعتري البعض يكمن في قصره لامكاناته وقدراته في معين واحد وكأنه لايجيد غيره وكأنه لايعرف سواه وبذلك تضعف همته وإرادته إلى التطلع إلى غير ذلك ، فمن ذلك إلزام الأب ابنه أو ابنته تخصصاً دراسياً معيناً في المرحلة الثانوية أو الجامعية ، وقد يكون ميول الإبن او البنت لتخصص آخر قد يبدع فيه ويتفوق لكن حرجه من والديه قد يكون عائقاً في مثل ذلك ، والبعض قد يختار تخصصه نزولاً لرغبة صديق له وهكذا دواليك ، فقوة الإرادة طريق لإكتساب مهارات جديدة ، ووسيلة لإكتشاف إبداع مدفون ، حملت لنا كتب التاريخ القصة التالية / كان الإمام مالك إمام دار الهجرة يطلب العلم على يدي والده أنس وكان أخوه عبد الله يطلب العلم كذلك على يدي والده ، لكن الإمام مالك رحمه الله كان منشغلاً بشيء يلهيهه عن اللحاق بركب أخيه في الطلب ، لقد  كان منشغلاً بتربية الحمام ، وذات يوم والإمام مالك يُسمع ما حفظه على أبيه فوقع الخطأ منه مراراً ولم يتقن الحفظ هذه المرة ، فقال له أبوه كلمة أيقظت الإرادة في نفسه ، قال له يامالك لقد شغلك الحمام عن الحفظ ، هذه الجملة غيرت حياة الإمام مالك فقد أيقظت إرادته وعزيمته وهمته لطلب العلم حتى أصبح إمام الدنيا في الفقه والحديث .
هناك تخصصات ومهارات ومعارف وإبداعات تحتاج منا فقط بعد توفيق الله إلى إرادة قوية ثم ستتحول إلى أرض الواقع بعد أن كانت مجرد أماني .
- الإضاءة الرابعة .. قوة الإرادة طريق للإتقان ..
لايستوي رجلان يعملان عملاً واحداً لكن أحدهما متقن والآخر مفرط غير متقن أو إتقانه دون مستوى الأول ، الكل يعمل لكن شتان بين العملين ، وأتذكر في هذا المقام قولاً رائعاً للإمام ابن القيم رحمه الله عندما وصف رجلين في الصلاة يصليان بجوار بعضهما أحدهما متقن خاشع في صلاته والآخر مفرط قد خرج بفكره عن الصلاة ، قال الإمام رحمه الله / فأحدهما قلبه معلق بالعرش والآخر قلبه معلق بالحش – بالقاذورات والنجاسات - ، الأول المتقن كان موفقاً لإرادة قوية قادته إلى مقصده الأسمى بعد توفيق الله ، أما الثاني فضعفت عزيمته وإرادته ، فصلى صلاة بلا روح وهو قادر على أن يفعل مافعل الأول ، فالإتقان في العمل متيسر متى مابحثت عن مظانه وسلكت طرقه وكانت إرادتك تبعاً للتوكل على ربك .

- الإضاءة الخامسة .. قوة الإرادة طريق للقضاء على العادات السيئة ..

ولعلي أبدأ هذا العنصر بقصة تروى لملك من ملوك الشرق الأقصى – وقد تكون مجرد رواية ولكن فيها عبرة – هذا الرجل كان – أجلكم الله – لا تأتيه السعادة إلا إذا شرب كأساً من بوله الخاص ، وتمضي الأيام ويتناقل الناس الخبر ، فيأتيه كبير وزرائه ليساره ويناصحه ، فيعزم على ترك هذه العادة القبيحة ولا يستطيع فيجمع الأطباء والحكماء ليأتوه بالدواء ، وكأن داءه بلا دواء ويخطئ الكل ويصيب واحد منهم الهدف ويصل إلى الحل ويطلب من الملك الوعد بالتنفيذ وكل في اشتياق إلى معرفة الدواء فيعلنها ذاك الطبيب الحكيم ، للملك إنك تحتاج فقط إلى عزمة من عزمات الرجال ، نعم فقط لايحتاج إلى أكثر من ذلك إرادة قوية تحطم أغلال تلك العادة القبيحة ، وهكذا كم وكم نخطئ في حق ربنا وحق نفسنا وحق غيرنا ، ونكرر الخطأ ونزعم أن الحل صعب وأنها أصبحت عادة فلا مفك منها ، ولامناص من فعلها ، فنقع في الخطأ مرة وأكثر

الإضاءة السادسة .. ضع لك هدفاً ولا تنس الوقت المناسب للإنجاز :

ضع لك هدفاً أو أكثر وتذكر وأنت تحدد الهدف أنه يلزمك الإلتفات إلى النقاط التالية ليتحقق المراد بإذن الله :
* ابدأ وثق بالله ثم بنفسك وقدراتك .
* توكل على الله وكن متفائلاً .
* لاتكثر على نفسك .
* لاتتردد .
* لاتستعجل في طلب النتائج .
* لاتزعم الفشل وأنت لم تحاول إلا مرة واحدة .
* لاتلتفت إلى الرسائل السلبية منك أو من غيرك ( مثل : أنت لاتصلح لهذا العمل – سبق أن جربت ولم أنجح _ ... ) .
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
الفصل الثاني :مفهوم الإرادة في الفكر الإسلامي
 
في طور الانجاز
الإنسان الأسمى، الإنسان المتفوق ،العلنسان
مشاريع
 
 
Aujourd'hui sont déjà 2 visiteurs (3 hits) Ici!
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement